الأحد، 9 نوفمبر 2008

نهاية مراهقة صناعية



ذكرتنى فقرة الصناعات التحويلية في برنامج عمل الحكومة 20/2/2008 بالنشاط الصناعى ، ولى فيها ذكريات حلوة ، فبعد حرب 73 زادت خردة الحكومة ، وتبعها بعض أهل الديرة ، وكان ذلك في منتصف السبعينات ، بل طفحت الحكومة بالخردة ، وتعالت الأصوات ، وردد المطربين صناعة ... صناعة ... صناعة لكى حبي وفؤادى ، وخرجت مظاهرات هاتفة بتحبوا مين ؟ .. صناعة ، وحبيبكم مين ؟ ....صناعة . المهم ما كان للحكومة في ذلك الوقت الا تصديق حدوتة الصناعة ، فرمت بثقلها وراء إقامة الصناعة الكويتية ، وهى رغبة تذكرنى ببياع سندويشات شاورما الدجاج يسألك سلطة ؟ فتجيب حط ، طرطور ؟ فتجيب حط فليفلة فتجيب حط ... يعنى يترس السندوتش بما لذ وطاب ، الصناعة في ذلك الزمان منذ أكتر من ثلاثة عقود كانت تُدَلِّع من يريد إقامة صناعة في البلد ، تسأله ( أى الحكومة ) ، قسيمة صناعية ؟ فيجيب حط ، كهرباء ببلاش فيجيب حط ، ماء ببلاش فيجيب حط ، دعم ...حط ، اعفاءات جمركية ...حط ، حماية جمركية ...حط ، وقود ببلاش ...حط ، بمعنى آخر كانت حكومتنا كاملة الدسم مش بتدلّع الصناعى فحسب ، بل تضعه على كفوف الراحة فالصناعة مسئوولة عن سير عملية التنمية ، هكذا صّور للحكومة فصدقت ، وتحمست لسواق سير عملية التنمية ، فكانت الهوجة صناعية بإمتياز ، تبعها هوجات أخري ولكن هذا موضوع آخر ، ولم نكن أنا وزملاء أعزاء محصنين من توابعها فأسسنا مكتب استشاري لزوم هوجة التصنيع ، فقمنا بإعداد عشرات من دراسات الجدوي لزوم الحصول على الترخيص الصناعى وكان ذلك عام 1976 ، فالنشاط الصناعى كان مغرياً ، والصناعى الكويتى سيصبح قائداً لمسيرة التنمية ، وعلى يدية ستتحول مداخيل الدولة من الاعتماد على النفط ، إلى ألاعتماد على صناعاته ، وصادراته التى ستكتسح أسواق العالم بفعل المزايا والدعم الممنوح لنشاطة الصناعى . ولم أكن بمعزل عن تلك الخوته ، وأنا أزاول عملى الكائن في الخالدية ، فكانت الاحلام تراودنى في ولوج النشاط الصناعى ، أزاول هذا النشاط من على قسيمتى الصناعية التى تمنح بكرم حكومى نفتقده هذه الأيام ، وعبد المعطى مهندس كيماوي كان يعمل في المكتب ، وكان إحد أسباب تلك الأحلام الوردية ، دخل على في يوم من الأيام ، وجلس ويقترح مشروعاً يكسر " الدنيا " ،
- وإيه المشروع يا عبد المعطى ؟
- قال : مصنع عطورات فل الفل .
- وإيه اللى يضمنلى أنه ميتطلعش زفت الزفت ؟
- قال : سأقوم بتركيب هذه العطورات ، وتجربتها في السوق إن مشيت نوسع ونقيم المصنع .
- وميزانية التجارب بالصلاة على النبي كام ؟
- قال : حوالى 200 دينار تركيب مواد ، وأزايز ، وملصقات ، وصناديق كرتونية لزوم التعبئة .
فكرت فالمبلغ معقول ، والتجربة الأولى تسوى من يتابعها ، المهم قبض المهندس عبد المعطى المبلغ وغاب أيام ، ودخل علىّ بعد أسبوع بالعينات ، معبأه بكراتين صغيرة ، والملصق على الكرتون يحمل إسماً لنوع معين مختلف عن الثانى ، وأطلق تسمياته عليها : SEKA , PARA, SARA ولم ينس كتابة ديرة العطور فكتب أسفل كل إسم Superior in Paris فلم يجرؤ أن يكتب صنعت في باريس فكان حويطاً فكتب الرائعة في باريس ، وعبأ زجاجات صغيرة في كرتون بعدد ستة عطورات لزوم التسويق ، أقول لكم بعد أن جربت العطورات تحمست لدخول المرحلة الثانية وهى مرحلة التسويق ، فاتصلت بشابين للقاء في المكتب لبحث أمر مهم ، وهذين الشابين كانوا في مقتبل العمر " بيلقطوا رزقهم " على خفيف وإتفقت معهم على تسويق الكرتونة على أن نتقاسم الربح بعد خصم التكاليف أخذ الشباب كرتونتين من إنتاجى ولم أرى لهم " ظويل " إختفوا بالانتاج وأكيد إستخفوا فكرة مسوقى العطور ، وإحتفظت بسيكا وأخواتها ، ولا زلت احتفظ بتلك العينات ، وتوقف عبد المعطى عن العمل لأن رأس المال خلّص، من ناحية وترك العمل في المكتب من ناحية أخري ، وكلما نظرت إلى سيكا ، وبارا ، وسارا تذكرت تجربتى الأولى مع التصنيع فمن يريد إحياء التجربة عليه البحث أولاً عن المهندس عبد المعطى في مصانع الشبراويشى ، أو عطورات قسمة ، في مصر ولنكرر المحاولة يمكن تظبط هذه المرة ، وترى سيكا وبارا وسارة النور على أيدى مراهقين صناعيين جدد .

هناك 3 تعليقات:

Mohammad Al-Yousifi يقول...

أهني المدونين على وجودك بيننا

للأسف من السهل اليوم علينا النظر الى الماضي و الاستهزاء بمن عاشوا فيه و نقول منو الغبي اللي صمم الدائري الرابع و منو الغبي اللي حط هالقانون من دون التفكير في ظروف مرحلتهم و التي ربما كان الشارع و القانون هو الانسب لها

أعتقد ان الهبات ماركة كويتية مسجلة و لكن يا استاذي هبة اليوم اسهل بوايد من مجابل وجه عبدالمعطي و سارا و بارا

هبة اليوم حطلك اسم حلو و رز يمه كلمة استثمارية و نزل الاكتتاب و تصير سوبر مليونير و فعالية اقتصادية

محد له خلق عمال و قسايم صناعية

أرزاق

غير معرف يقول...

السيد عبد الجليل المحترم،
كتاباتك لطيفة جدا، و مضحكة بنفس الوقت. و أنت تكتب بنفس مصري قديم، ذكرني بأفلام اسماعيل يس و مثله من الفنانين الكوميديين.
و لكن خلط الإقتصاد بالكوميديا فهو الشيء الذي يميزك أكثر من بين الكتاب.مبروك لمدونتك الجديدة، عسى تستمر بالكتابة.

غير معرف يقول...

الله يعطيك العافية ما قصرت
نريد منك العطاء على طول